بيانات الوظائف الأمريكية، حقائق وتوقّعات وكيف ستؤثّر على الأسواق

بيانات الوظائف الأمريكية، حقائق وتوقّعات وكيف ستؤثّر على الأسواق

4 يونيو 2020 06:10 م

تنتظر الأسواق المالية يوم الجمعة المقبل بيانات الوظائف الأمريكية، وهذه البيانات تعتبر مؤشّراً اقتصادي مهم لتوضيح وضع الاقتصاد الأمريكي حالياً. لكن خلال الفترة الماضية، كان تأثير البيانات الاقتصادية محدود جداً على الأسواق، وشهدت حالة من التذبذب مع صدور البيانات، لكن بقي التأثّر محدود نوعاً ما. وتم تجاهل حقائق سوء البيانات الاقتصادية، وركّز المتداولون على احتمالية التعافي الاقتصادي السريع من جائحة كورونا، بفعل التحفيزات الاقتصادية الكبيرة من البنوك المركزية والحكومات في العالم، منها أيضاً الولايات المتحدّة الأمريكية.

لكن يبدو بأن الدولار الأمريكي حالياً يوجه مخاطر عالية، في ظل انخفاضه خلال الفترة الماضية بسبب عمليات البيع التي رافقت توجّه المتداولين لأسواق العائد المرتفع، إلى جانب حالة التوتّر السياسي داخلياً في الولايات المتحدّة. وربما يتأثّر الدولار الأمريكي هذه المرّة في البيانات الاقتصادية، إذ أن المخاطر تتزايد على الدولار في الوقت الراهن.

تشير التوقعات إلى أن تظهر بيانات يوم الجمعة المقبل فقدان 8 ملايين أمريكي لوظائفهم خلال شهر مايو، ورغم أن هذه القراءة أقل سوءاً من بيانات شهر أبريل التي أظهرت فقدان 20.5 مليون شخص لوظائفهم، إلا أن هذه البيانات تعتبر مروّعة، وقد تكون سبباً لدفع معدّل البطالة لمستويات 19.5% من 14.7%.

ويبدو أن البيانات الاقتصادية السيئة متوقعّة مهما كانت، والحقائق تدل على أن الاقتصاد الأمريكي حالياً في أسوأ ظروف له منذ الحرب العالمية الثانية، مع انكماش الاقتصاد بنسبة 5% خلال الربع الأوّل، وتوقّعات انكماش قد تصل نسبته إلى 34% خلال الربع الثاني من هذه السنة. لا أحد ينكر بأن الاقتصاد الأمريكي والعالمي في ظروف سيئة جداً، لكن هنالك آمال كبيرة في الأسواق بأن يعود الاقتصاد الأمريكي للنمو خلال النصف الثاني من هذه السنة.

وبسبب الحقائق المشار لها، ربما يكون تأثّر الدولار الأمريكي بالنسبة لاتجاهه محدود في بيانات يوم الجمعة المقبل، لكن لا يعني ذلك بأن الدولار لن يتأثّر بتاتاً، بل أن التذبذب الملموس قد يكون واضحاً.

البيانات الأفضل من التوقعات قد يكون لها تأثير مباشر على الأسواق، لكن بيانات سيئة أو أسوأ قليلاً من التوقعات، قد يكون تأثيرها محدود، لأن القناعات التي تدور في الأسواق حالية تتمحور حول أن الأسوأ قد حصل بالفعل، والآن ستبدأ الأمور بالتحسّن شيئاً فشياً.

إذن كيف سوف يتحرّك الدولار؟

بكل الحالات، لا يجب استبعاد تذبذب عنيف في الدولار في حال كانت نتائج البيانات بعيدة جداً عن التوقعات. لكن كاتجاهات إجمالية، فالثقة في الأسواق المالية هي التي تحددها حالياً. الثقة في الأسواق مبنية على حقيقة أن التعافي الاقتصادي ربما سيكون قوياً خلال النصف الثاني، وبالتالي سيستمر بيع الدولار من أجل التوجّه لأصول مرتفعة العائد، مثل أسواق الأسهم. لكن لو جاءت البيانات متعثّرة وسلبية جداً، كأن تظهر فقدان أكثر من 15 مليون شخص لوظائفهم، فهنا قد نشهد انخفاضاً في أسواق الأسهم والعائد المرتفع، ليعود المتداولون لطلب الدولار.

يبدو أن الدولار في اتجاه هابط على المدى القصير، والمؤثّر الرئيسي هو التوجّه لأسواق العائد المرتفع.

أسواق الأسهم الأمريكية: هل ستستمر بتجاهل كوفيد 19 والركود الاقتصادي؟

التحفيزات الحكومية الهائلة الغير معهودة في الولايات المتحدّة، بل في كل العالم، إلى جانب تدخّلات البنوك المركزية وسياساتها التي توجّهت لمستويات فائدة منخفضة جداً ، تجعل من التوقعات المستقبلية إيجابية بالنسبة للنمو الاقتصادي. بمجرّد عودة النشاطات الاقتصادية مع انحسار انتشار كوفيد 19، فربنا سنرى تعاف سريع للشركات.

لذلك، يبدو بأن أسواق الأسهم حالياً تستبق الأحداث وترتفع، وهذا شيء معروف في أسواق الأسهم، إذ أنها ترتفع قبل تأكيد الخروج من الركود الاقتصادي.

حالياً، الجميع يعلم بأن نسبة البطالة في الولايات المتحدّة دخلت خانة العشرات، وربما تستمر كذلك لقليل من الوقت، وهذا قد يكون له تأثير مباشر على الاقتصاد. مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للأسهم الأمريكية انخفض بحوالي 7%، لكن بالنظر إلى أداء مؤشر نازداك التكنلوجي، فسنجد بأنه ارتفع 7.5% مقارنة في مستويات قبل عام، وعاد كلا المؤشرين للارتفاع بعد انهيارهما الكبير سابقاً، لتعوّض المؤشرات جزءاً كبيراً من خسائرها.

الأسبوع الماضي، فاقت طلبات الإعانة 40 مليون طلب، ورغم ذلك ارتفع مؤشر داوجونز، متجاهلاً القراءة السلبية للبطالة. ونحن حالياً لا نعتقد بأن قيم الوظائف التي سيتم فقدانها ستكون بالسوء الذي شهدناه خلال شهر أبريل الماضي، وقد نشهد انخفاض يقارب الـ8 آلاف وظيفة خلال شهر مايو. وتقترب بذلك نسب البطالة من الـ20%.

لكن، الأسواق المالية حالياً تعلم اليقين بأن كل وظيفة تم اكتسابها منذ فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية 2008 تم فقدانها خلال فترة قصيرة. لكن من المتوقّع أن تتعافى أسواق الوظائف بسرعة كبيرة، وربما تنخفض لمستويات حول أو ما دون الـ10% بعد عودة النمو الاقتصادي، مما قد يعتبر انتصاراً على أزمة كورونا وتأثيرها على الاقتصاد.

من جهة أخرى، يجب النظر إلى أن هنالك بعض المخاوف في الأسواق المالية من احتمالية حصول موجة ثانية من الانتشار لفيروس كوفيد 19، وفي حال حصل ذلك بالفعل، فقد تعود الدول لإعادة الإغلاق الاقتصادي بشكل واسع، مما قد يؤخر التعافي الاقتصادي.

فيما يعتبر الارتفاع الحالي في مؤشرات الأسهم الأمريكية كبيراً، لكن يجب أن نتوقع امتداداً في الاتجاه الصاعد، حيث أن لا إشارات حقيقية تدل الآن على عودة العالم للإغلاق الاقتصادي كما حصل سابقاً، وهذا ما قد يبقي على توقعات عودة التعافي الاقتصادي من جديد واستمرار ارتفاع الأسهم.

كيف ستؤثّر البيانات على أسعار الذهب؟ وهل هنالك علاقة بين البيانات وتوجهات الأسعار للمعدن الثمين؟

حالياً، لا يوجد علاقة مباشرة بين تقرير الوظائف الأمريكية وتحركات أسعار الذهب، لكن في حال كانت البيانات أفضل بكثير من التوقعات، ربما نرى تحركات متذبذبة جداً في أسعار الذهب، وفي العادة البيانات الإيجابية جداً قد تساهم في دفع الذهب للانخفاض لأنها تقلل جاذبية الملاذات الآمنة.

لكن في حال كانت البيانات أسوأ من المتوقع بكثير، فربما نشهد تزايداً في طلب الذهب، لكن مرّة أخرى نؤكد بأن أسعار الذهب ربما سيكون تأثّرها محدود نسبياً في البيانات الاقتصادية، والتأثير الأكبر ربما سيكون من ثقة المتداولين في الأسواق والحاجة للذهب لتغطية مخاطر الاستثمار.

حقائق اقتصادية وتوقعات مستقبلية

  • معدّل البطالة

ارتفع معدّل البطالة في الولايات المتحدّة من 3.5% الذي يعتبر الأدنى منذ خمسينات القرن الماضي، ليصل إلى 14.7% شهر أبريل 2020، والارتفاع يعتبر أكبر ارتفاع تاريخي كمقارنة لنسبة الارتفاع، ووصلت البطالة بذلك إلى أعلى مستوياتها منذ ركود عام 1937 – 1938 عندما وصت البطالة إلى 19%.

وتشير التوقعات إلى أن معدّل البطالة ربما يكون قد ارتفع لأكثر من 19% خلال الشهر الماضي مايو، وبذلك تكون أسواق الوظائف الأمريكية في أسوأ وضع لها منذ الكساد العظيم بين أعوام 1929 -1933.

  • الوظائف المستحدثة في القطاعات الغير زراعية (Non Farm Payrolls)

لقد شهدنا أكبر عدد تسريحات من العمل في القطاعات الغير زراعية الأمريكية عبر التاريخ خلال شهر أبريل الماضي، حيث فقد حوالي 20.5 مليون مواطن أمريكي وظيفته. ولم نشهد عبر التاريخ. وتشير التوقعات إلى احتمال أن حوالي 8 ملايين مواطن أمريكي وظائفهم خلال الشهر الماضي مايو 2020.

  • معدّل نمو الدخل الساعي

قلما يراقب المتداولون هذه البيانات التي تعتبر مهمّة جداً، فتدهور أسواق الوظائف خلال شهر ابريل الماضي، زاد الطلب على الوظائف الاحترافية والخبراء، وبذلك زاد معدّل نمو الدخل على المدى الشهري بمقدار 4.7% وعلى مدى سنوي 7.9%.

تشير التوقعات لاحتمال أن يكون معدّل نمو الدخل الساعي بنسبة 1%، وهذه أيضاً تعتبر نسبة مرتفعة.

لكن، لننظر الآن إلى بيانات طلبات الإعانة الأسبوعية، والتي تعتبر أحد المؤشرات المهمة لتوقّع بيانات الوظائف والبطالة في الولايات المتحدّة.

سنلاحظ بأن ارتفاع كبير وهائل ويعتبر قياسي في طلبات الإعانة الأسبوعية بدأ منذ شهر أبريل الماضي، وخلال شهر مايو، كانت طلبات الإعانة الأسبوعية كما يلي:

  • 2020-05-07 : 3169 ألف
  • 2020-05-14 : 2981 ألف
  • 2020-05-21: 2438 ألف
  • 2020-05-28: 2123 ألف

وبذلك، نجد بأن عدد طلبات الإعانة وصل إلى 10.711 مليون طلب.

لكن أيضاً سنلاحظ تباطؤ كبير في عدد طلبات الإعانة، من مستويات وصلت إلى 6.867 مليون خلال شهر أبريل. بالتالي، يجب أن نعلم بأن أسواق العمل الأمريكية ما زالت تعاني وبشكل عنيف من أزمة كورونا، لكن بدأنا نرى تباطؤ في انهيار أسواق الوظائف.

بيانات مؤشر ADP للوظائف الخاصة في الولايات المتحدّة يعتبر دلالة أولية لبيانات الوظائف الجمعة

أظهرت بيانات مؤشر ADP لوظائف القطاع الخاص فقدان 2.76 مليون شخص لوظائفهم خلال الشهر الماضي مايو. لكن، جاءت هذه النتائج أفضل كثيراً من التوقعات التي أشارت لاحتمال أن يكون قد فقد 9 ملايين أمريكي لوظائفهم.

بالتالي، لا يجب استبعاد أن نرى بيانات الوظائف في القطاعات الغير زراعية أفضل من المتوقع، كذلك لا يجب استبعاد أن نرى نسبة البطالة أفضل قليلاً من المتوقع، حتى مع أنه من المحتمل جداً أن نرى ارتفاع كبير في البطالة وكذلك فقدان للمزيد من الأمريكيين لوظائفهم.

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط