إلى متى سيستمر نزيف الين الياباني؟

23 يونيو 2022 04:41 م

تعتبر هذه السنة سنة الرعب بالنسبة للين الياباني، حيث كانت عملة اليابان أحد العملات الأسوأ أداءً مقابل سلّة العملات الرئيسية، حيث هبط الين الياباني بنسبة 18% أمام الدولار الأمريكي. وجاء الانخفاض في الين الياباني بفعل سياسات بنك اليابان المركزي الذي رفض التوجّه لتشديد سياساته النقدية. ويعتبر بنك اليابان المركزي الوحيد ضمن البنوك المركزية الرئيسية في العالم التي لم تتخذ توجّها لتشديد السياسة النقدية أو ميلاً نحو إجراء تشديد نقدي في المستقبل القريب، وبدلا عن ذلك، توجّهت استراتيجية البنك للحفاظ على عوائد سندات الحكومة استحقاق 10 سنوات ثابتة عند مستويات قريبة من الـ0.00%، من خلال التحكّم في منحنيات عوائد السندات. لكن رغم كل ذلك، هنالك بصيص أمل بأن يكون نزيف الين الياباني يجب أن ينتهي قريباً.

تكاتفت عديد من البنوك المركزية في الوقت الراهن للوقوف بوجه ارتفاع معدّلات التضخّم من خلال رفع معدّلات الفائدة، وأدى ذلك لاتساع فجوة الفرق بين عوائد السندات اليابانية وعديد من الدول الأخرى، إذ بقيت فروقات عوائد السندات تصبّ في ضدّ صالح السندات اليابانية، وبذلك توجّه المستثمرون خارج اليابان، ليتسبب ذلك بتدفق النقد من اليابان إلى دول أخرى، خصوصاً وأن انخفاض الين الياباني يزيد على المستهلكين في اليابان الضغط في وقت ترتفع فيه أسعار العديد من السلع، على رأسها النفط والغاز.

مشكلة أخرى واجهت اقتصاد اليابان، وهي التوتّرات الجيوسياسية في العالم، حيث أن هذه التوتّرات كان لها تأثير مباشر على الميزان التجاري الياباني. تستورد اليابان معظم أدوات الطاقة من الخارج، لذلك شهدت اليابان تحوّل الفائض إلى عجز تجاري مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط. ووصل العجز التجاري في اليابان إلى 2384.7 مليار ين ياباني شهر مايو الماضي، مرتفعاً من 212.9 مليار ين لنفس الفترة من العام الماضي بحسب بيانات رسمية صدرت من وزارة المالية اليابانية. تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة أضاف ضغطاً كبيراً على اقتصاد اليابان، وتحديداً على الميزان التجاري، الذي بدأ العجز فيه واستمّر للشهر العاشر على التوالي، في أطول سلسلة من العجز منذ فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية 2008.

لماذا يرفض بنك اليابان التحرّك مشكل موازٍ للبوك المركزية الأخرى؟

الأساس المنطقي (بوجهة نظر بنك اليابان المركزي) في الحفاظ على أسعار الفائدة المتدنية وسياساته النقدية التحفيزية هو أن التضخّم ليس مرتفع لدرجة يكون فيها المركزي مجبراً على التحرّك لخفضه، وقد ارتفع التضخّم لمستويات فوق 2% ليصل إلى 2.5% شهر أبريل الماضي، وهذه القيمة الوحيدة قد لا يرغب بنك اليابان بالتحرّك من أجلها، خصوصاً وأن اقتصاد اليابان طالما عانى من معدّلات تضخّم منخفضة. لكن على النقيض من ذلك، يواجه الفيدرالي الأمريكي تحديّات كبيرة بوصول معدّل التضخّم إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من 40 عاماً مضت، ليقوم برفع الفائدة بأكبر رفع في الفائدة منذ عام 1994، مقداره 75 نقطة أساس. وبقياس الفرق، نجد بأن التضخّم في اليابان منخفض جداً مقارنة في الولايات المتحدّة.

خلال جائحة كورونا، اتخذت البنوك المركزية والتي منها الاحتياطي الفيدرالي خطط تيسير نقدي وكمي هائلة، إلا أن بنك اليابان رغم اتخاذه مثل هذه الإجراءات، لكنها لم تكن بالكثافة والكم الهائل للفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي وغيرها من البنوك. وهذا ربما يكون أحد الأسباب التي حافظت على التضخّم أقل من الولايات المتحدّة وأوروبا.

بالإضافة إلى ذلك، نجد بأن نمو الأجور في اليابان مستقر بدرجة كافية، وتظهر توقّعات التضخّم أقل من هدف بنك اليابان المركزي عند 2.0%، لذلك لا يوجد مخاطرة بأن تقع اليابان في دوامة التضخّم والأجور، والتي إن حصلت ستغذّي ارتفاع التضخّم وربما خروجه عن السيطرة. بالتالي، وبما أن الأجور مستقرّة، يمكن لبنك اليابان التحلّي بالصبر بما يخص سياساته التحفيزية، وهو ما أكّده أيضاً رئيس الوزراء الياباني هذا الشهر. لكن سياسات بنك اليابان التحفيزية ليست دون تكلفة، فانخفاض الين الياباني كان النتيجة الحتمية لهذه السياسات النقدية.

من خلال الحفاظ على أسعار فائدة منخفضة، يحاول بنك اليابان استيراد ما يكفي من التضخّم الخارجي، وقد كسر ذلك العقلية الانكماشية التي كانت متأصّلة بالثقافة اليابانية لعقود من الزمن. وبذلك، أدت التصرفات الاستهلاكية إلى ضعف الين الياباني، والذي أصبح الآن قضيّة سياسية في اليابان، فتواجه الحكومة غضباً عاماً بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة بفعل التضخّم المستورد جراء انخفاض سعر صرف الين الياباني. من هنا، نجد بأن أمام الحكومة تحديات من أجل التدخّل وإيقاف نزيف الين الياباني.

قاوم المسؤولون الحكوميّون حتى الآن إجراء تدخلات مباشرة بسعر صرف الين، إذ أن ذلك قد يفسد جهود بنك اليابان لإعادة دفع مستويات التضخّم للارتفاع على المدى المتوسط والطويل لمستويات الهدف التي طالما بقي التضخّم بعيداً ما دونها. لكن، إذا استمر الانخفاض في الين الياباني، قد تتدخّل الحكومة عاجلاً أم آجلاً لإيقاف هذا الانخفاض، حتى ولو كان ذلك من أجل تقليل المضاربة ضد الين الياباني من قبل المتداولين في الأسواق.

بكلمات أخرى، هنالك حد قد تسمح حكومة اليابان للين وصوله، لكن السؤال يكمن في ما هو هذا الحد؟ وأين هي العتبة التي ستحفّز التدخل؟ يشير بعض الاقتصاديّون بأن هذه العتبة قد تكون مستوى الـ140 ين للدولار الأمريكي الواحد، بينما آخرون يرون بأن مستوى 145 ين قد يكون هو الحد.

من أجل الحفاظ على استراتيجية التحكّم في منحنى العائد، يضطر بنك اليابان من اتخاذ إجراءات كبيرة، وفي وقت من المتوقّع فيه أن ترفع بنوك مركزية الفوائد، واستمرار بنك اليابان في سياساته التحفيزية، قد يتعرّض الين الياباني لزيد من الضغط الهابط خلال الفترة المقبلة.

كيف سيكون أداء الين الياباني خلال الأشهر المقبلة؟

بالنظر إلى فروقات أسعار الفائدة والتأثير على فرق عوائد السندات، قد نشهد بأن التقلّب قد يتزايد خلال الفترة المقبلة، وهذا يظهر أيضاً بأن صناديق التحوّط إلى جانب المحافظ الاستثمارية الكبرى تقوم بالتحوّط ضد تحركات العملات الأجنبية القويّة. وبالتالي، قد نشهد عوائد السندات اليابانية فوق 0.25% خلال الفترة المقبلة، مما قد يجعل الين الياباني في حركة جنونية.

من منظور فني، تمكّن المضاربون على الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني في دفع الزوج إلى المقاومة 136.70، لكن فشلوا في تحقيق اختراق لهذا المستوى. لذلك، لا يزال الين الياباني قريب من أدنى مستوياته مقابل الدولار الأمريكي لكن التصحيحات أصبحت محتملة. إذا نجح المضاربون على ارتفاع الين لدفع زوج الدولار مقابل الين للانخفاض إلى 135.40 – 134.50، هنا يجب متابعة التحرّكات، فكسر هذه المستويات قد يكون سبباً لمزيد من الانخفاض في الدولار، أي ارتفاع الين الياباني. لكن في نفس الوقت، اذا تم اختراق المقاومة 136.70، فهنا قد يفتح المجال لمزيد من الارتفاع إلى 137.50.

 

 

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط